كان إسلام قبيلة حمير وزعمائها في العام التاسع من الهجرة، إذ يذكر أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب ملوك حمير بعد مقدمه من تبوك، ورسولهم إليه بإسلامهم مالك بن مرارة الرهاوي، وهم الحارث بن عبد كلاع، ونعيم بن عبد كلاع والنعمان ذي رعين ومعافر وهمدان، وزرعة ذو يزن، بإسلامهم ومفارقتهم الشرك وأهله.
وفي عهد الخلافة الراشدة (11-40هـ) كان لهم دور مهم في الفتوحات الإسلامية لاسيما فتوح الشام، تجلى ذلك من خلال المشاركة الفاعلة لقبيلة حمير في تلك الفتوح.
كان لحمير مكانة كبيرة في جنوب الجزيرة العربية في العصر الجاهلي، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وبعد سقوط الدولة الحميرية وتقسيم ممتلكاتها على مجموعة من الأمراء الذي أطلقوا على أنفسهم لقب ملك، كان لا بد من الاعتراف بما كانت تمتلكه هذه الدولة من مميزات، والاستفادة مما تمتلكه من خبرات، فوجدت عددًا من الأحاديث التي قيلت عن حمير وملوكها وردت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك الأقوال التي قالها الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم، نجملها فيما يأتي:
أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم :
منها ما ذكره أبو هريرة رضى الله عنه قال: كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم قال: جاء رجل من قيس عيلان، فقال: يا رسول الله العن حمير، فأعرض عنه، ثم جاءه من ناحية أخرى، فأعرض عنه، وهو يقول: العن حمير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رحم الله حمير أيديهم طعام، وأفواههم سلام أهل أمن وإيمان". ومنها ما ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما رأى وفود اليمن ومن ضمنها وفد حمير قادمين إليه لإعلان إسلامهم في العام التاسع من الهجرة عام الوفود)، حدث فيهم، وبين مزاياهم، في سرعة إسلامهم، وحسن قبولهم للإسلام من غير حاجة إلى عسكر أو قتال، فعن أبي هريرة - عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه قال: "جاء أهل اليمن، هم أرق أفئدة، وألين قلوبًا، والفقه يمان، والإيمان يمان، والحكمة يمانية، الخيلاء والكبر في أصحاب الإبل، والسكينة والوقار في أصحاب الشاء".
ومنها ما تنبأ به الرسول صلى الله عليه وسلم بمشاركة حمير في فتوحات الشام، وأن المسلمين سوف يفتحون الشام، فعن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه في ذات ليلة في أثناء وجوده في تبوك في العام التاسع للهجرة: "ألا أبشركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "إن الله تعالى أعطاني الليلة الكنزين فارس والروم، وأيدني بالملوك، ملوك حمير، ولا ملك إلا لله، يأتون فيأخذون مال الله ويقاتلون في سبيل الله".
أقوال الخلفاء الراشدين عن حمير ورجالها ودورهم في الفتوحات الإسلامية: منها ما ذكر عن الخليفة أبي بكر الصديق رضى الله عنه (11-13هـ) في أثناء وصول كتائب حمير إلى المدينة للمشاركة في فتوح الشام، فيذكر أنه قال لعلي ابن أبي طالب رضى الله عنه: يا أبا الحسن أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا أقبلت حمير ومعها نساؤها تحمل أولادها، فأبشر بنصر الله على أهل الشرك أجمعين. وهناك قول آخر لأبي بكر رضى الله عنه يتباهى بحمير بقوله: "إذا مرت حمير معها أولادها، نصر الله المسلمين وخذل المشركين فأبشروا أيها المسلمون قد جاءكم النصر".
وفي وصف الخليفة الراشدي الثالث عثمان بن عفان رضى الله عنه (24-35هـ) لحمير ودورها في الفتوحات الإسلامية ما ذكر عن الخليفة عثمان بن عفان رضى الله عنه عندما وصله مدد اليمن للمشاركة في الفتوحات، وكان عددهم ثلاثمائة راكب بقوله: "مرحبا بأهل اليمن، أعلام في الدين، قادة في المسلمين، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الإيمان يمان والحكمة يمانية، ورحى الإسلام دائرة فيما ولد قحطان، والجفوة والقسوة فيما ولد عدنان، حمير رأس العرب ونابها ... ".
منقول من تفسير القرطبي
تفسير القرطبي:
قوله تعالى: { أهم خير أم قوم تبع} هذا استفهام إنكار؛ أي إنهم (قريش) مستحقون في هذا القول العذاب؛ إذ ليسوا خيرا من قوم تبع والأمم المهلكة، وإذا أهلكنا أولئك فكذا هؤلاء. وقيل : المعنى أهم أظهر نعمة وأكثر أموالا أم قوم تبع. وقيل : أهم أعز وأشد وأمنع أم قوم تبع.
وليس المراد بتبع رجلا واحدا بل المراد به ملوك اليمن؛ فكانوا يسمون ملوكهم التبابعة. فتبع لقب للملك منهم كالخليفة للمسلمين، وكسرى للفرس، وقيصر للروم. وقال أبو عبيدة : سمي كل واحد منهم تباعا لأنه يتبع صاحب. قال الجوهري : والتبابعة ملوك اليمن، واحدهم تبع. والتبع أيضا الظل؛ وقال : يرد المياه حضيرة ونفيضة ** ورد القطاة إذا اسمأل التبع والتبع أيضا ضرب من الطير. وقال السهيلي : تبع اسم لكل ملك ملك اليمن والشِّحر وحضرموت. وإن ملك اليمن وحدها لم يقل له تبع؛ قاله المسعودي.
فمن التبابعة : الحارث الرائش وهو ابن همال ذي سدد. وأبرهة ذو المنار. وعمرو ذو الأذعار. وشمر ابن مالك، الذي تنسب إليه سمرقند. وأفريقيس بن قيس، الذي ساق البربر إلى أفريقية من أرض كنعان، وبه سميت إفريقية. والظاهر من الآيات : أن الله سبحانه إنما أراد واحدا من هؤلاء.
وكانت العرب تعرفه بهذا الاسم أشد من معرفة غيره؛ ولذلك قال عليه السلام : (ولا أدري أتبع لعين أم لا). ثم قد روي عنه أنه قال : (لا تسبوا تبعا فإنه كان مؤمنا) فهذا يدلك على أنه كان واحدا بعينه؛ وهو - والله أعلم - أبو كرب الذي كسا البيت بعد ما أراد غزوه، وبعد ما غزا المدينة وأراد خرابها، ثم انصرف عنها لما أخبر أنها مهاجر نبي اسمه أحمد. وقال شعرا أودعه عند أهلها؛ فكانوا يتوارثونه كابرا عن كابر إلى أن هاجر النبي صلى الله عليه وسلم فأدوه إليه. ويقال : كان الكتاب والشعر عند أبي أيوب خالد بن زيد. وفيه : شهدت على أحمد أنــه ** رسول مـن الله باري النسم فلو مد عمري إلى عمره ** لــكنت وزيرا له وابن عم.
وذكر الزجاج وابن أبي الدنيا والزمخشري وغيرهم أنه حفر قبر له بصنعاء - ويقال بناحية حمير - في الإسلام، فوجد فيه امرأتان صحيحتان، وعند رؤوسهما لوح من فضة مكتوب فيه بالذهب { هذا قبر حُبَّى ولميس} ويروى أيضا { حبي وتماضر} ويروى أيضا { هذا قبر رضوى وقبر حب ابنتا تبع، ماتتا وهما يشهدان أن لا إله إلا الله ولا يشركان به شيئا؛ وعلى ذلك مات الصالحون قبلهما} .
قلت : و""روى ابن إسحاق وغيره"" أنه كان في الكتاب الذي كتبه : (أما بعد، فإني آمنت بك وبكتابك الذي أنزل عليك، وأنا على دينك وسنتك، وآمنت بربك ورب كل شيء، وآمنت بكل ما جاء من ربك من شرائع الإسلام؛ فإن أدركتك فبها ونعمت، وإن لم أدركك فاشفع لي ولا تنسني يوم القيامة، فإني من أمتك الأولين وبايعتك قبل مجيئك، وأنا على ملتك وملة أبيك إبراهيم عليه السلام} . ثم ختم الكتاب ونقش عليه { لله الأمر من قبل ومن بعد} [الروم : 4]. وكتب على عنوانه (إلى محمد بن عبدالله نبي الله ورسوله، خاتم النبيين ورسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم. من تبع الأول. وقد ذكرنا بقية خبره وأوله في { اللمع اللؤلؤية شرح العشر بينات النبوية} للفارابي رحمه الله.
وكان من اليوم الذي مات فيه تبع إلى اليوم الذي بعث فيه النبي صلى الله عليه وسلم ألف سنة لا يزيد ولا ينقص. واختلف هل كان نبيا أو ملكا؛ فقال ابن عباس : كان تبع نبيا. وقال كعب : كان تبع ملكا من الملوك، وكان قومه كهانا وكان معهم قوم من أهل الكتاب، فأمر الفريقين أن يقرب كل فريق منهم قربانا ففعلوا، فتقبل قربان أهل الكتاب فأسلم، وقالت عائشة رضي الله عنها : لا تسبوا تبعا فإنه كان رجلا صالحا.
وحكى قتادة أن تبعا كان رجلا من حمير، سار بالجنود حتى عبر الحيرة وأتى سمرقند فهدمها؛ حكاه الماوردي. وحكى الثعلبي عن قتادة أنه تبع الحميري، وكان سار بالجنود حتى عبر الحيرة. وبنى سمرقند وقتل وهدم البلاد. وقال الكلبي : تبع هو أبو كرب أسعد بن ملكيكرب، وإنما سمي تبعا لأنه تبع من قبله. وقال سعيد بن جبير : هو الذي كسا البيت الحبرات.
وقال كعب : ذم الله قومه ولم يذمه، وضرب بهم لقريش مثلا لقربهم من دارهم وعظمهم في نفوسهم؛ فلما أهلكهم الله تعالى ومن قبلهم - لأنهم كانوا مجرمين - كان من أجرم مع ضعف اليد وقلة العدد أحرى بالهلاك. وافتخر أهل اليمن بهذه الآية، إذ جعل الله قوم تبع خيراً من قريش. وقيل : سمي أولهم تبعا لأنه أتبع قرن الشمس وسافر في الشرق مع العساكر.
تعد قبيلة حمير من أهم القبائل اليمنية التي كان لها دور فعال في الدخول في الإسلام ونشر الدعوة الإسلامية؛ لذلك نجد المشاركة الحميرية في الفتوحات الإسلامية ظهرت منذ وقت مبكر من حركة الفتوحات الإسلامية والدعوة لها في عهد الخليفة أبي بكر الصديق رضى الله عنه، ويتمثل ذلك في غزوة مؤتة في السنة الثامنة من الهجرة، تلك الحملة التي أنفذها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مؤتة، وهي تعد مشاركة فردية من قبيلة حمير: تتمثل فيما ذكر أن مدديًا من حمير (لم يذكر اسمه)، استطاع أن يقتل أحد فرسان الروم، وسلب ما كان يحمله من قوس وترس.
كما أن مشاركة الحميريين في فتوحات الشام لم تكن إجبارية بل اختيارية، وحبا في نشر الدعوة الإسلامية ونصرة الإسلام، فتذكر المصادر أن (ذا الكلاع الحميري)، كان يمتلك اثني عشر ألف بيت من المسلمين، فبعث إليه الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه (24-13هـ) بأن يشتري هؤلاء ليستعين بهم على الأعداء، فرد له ذو الكلاع أنهم أحرار.
ولم يقتصر تميز حمير في سرعة تلبية الدعوة فقط، بل تنازل ملوكها عن أملاكهم وجيوشهم في سبيل الدعوة الإسلامية ونصرة الإسلام وهذا ما ذكره المسعودي بقوله: " بأن ملوك اليمن تخلوا عن التيجان المستقلة بالجواهر، وتركوا الحلل المحمل الموشى بخيوط الذهب والياقوت والدر والمرجان، واشتروا من سوق المدينة ثيابا خشنة. ووضع الصديق في بيت المال ما تخلوا عنه جميعًا من نفائس". ومن الأمثلة التي تؤكد ذلك، ما ذكر عن ذي الكلاع الحميري الذي كان من زعماء حمير، وكان قبل دخوله الإسلام يركب له اثنا عشر ألف مملوك سود سوى غيرهم، وبعد إعلان إسلامه رآه البعض يمشي في سوق المدينة، وعلى كتفه جلد شاة.
وبذلك تميزت قبيلة حمير عن غيرها من القبائل اليمنية بسرعة تلبية دعوة الخليفة أبي بكر رضى الله عنه المشاركة في فتوح الشام، بمجرد وصول الدعوة إليهم، فيذكر الواقدي؛ أن رسول الخليفة إلى اليمن، ومن ضمنها قبيلة حمير كان أنس بن مالك، الذي عاد مبشرا الخليفة بقدوم أهل اليمن بقوله: " يا خليفة رسول الله وحقك على الله ما قرأت كتابك على أحد إلا بادر إلى طاعة الله ورسوله، وأجاب دعوتك، وقد تجهزوا في العدد والعديد ... وقد أقبلت إليك يا خليفة رسول الله مبشرًا بقدوم الرجال، وقد أجابوك شعثا غبراء وهم أبطال اليمن وشجعانها، وقد ساروا إليك بالذراري والأموال والنساء والأطفال.... فكان أول قبيلة ظهرت من قبائل اليمن حمير وهم بالدروع الداودية، والبض العادية، والسيوف الهندية، وأمامهم ذو الكلاع الحميري .....
ولم تقتصر مشاركة قبيلة حمير في الفتوحات في عهد الخليفة أبي بكر رضى الله عنه بل وجدت أيضًا في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه؛ إذ يذكر أن المدد قدم في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه من أرض سبأ وحضرموت، وهم ستة آلاف مقاتل، وتم إرسال هذا الجيش مددًا لأبي عبيدة بن الجراح لمواجهة الروم في اليرموك سنة 13هـ بقيادة سعيد بن عامر.
لذلك نرى أن الدور الحميري كان يمثل النواة الأولى لتكوين الألوية الإسلامية التي تقدمت لفتح بلاد الشام، واستطاعت أن تحقق نبوءات النبي صلى الله عليه وسلم في فتح تلك البلاد.
مثلت مشاركة حمير وملوكها دورًا مهما في مسار فتوحات الشام، من حيث العدد والعدة، وكذلك القيادة، والاستشارة، والمواجهة مع الروم، فكانت الخبرة في القيادة والفروسية، أمرًا مهمًا في لفت الأنظار إليهم بوصفهم قوة مهمة تمتلكها دولة المدينة، وذلك مقارنة بما تمتلكه الدولة البيزنطية من قوة منظمة ومدربة على فنون القتال لذلك نجد الخلفاء (رضوان الله عليهم)، وكذلك قادة الفتح في بلاد الشام يعطون أهمية كبيرة لقادة حمير وجندها في مسار الفتح في بلاد الشام، سواء كان ذلك في الاستشارة، أم قيادة الجند، أم الاعتماد على سرايا حمير في الهجوم، وتتبين هذه المزايا في وصف الواقدي للوفود الحميرية التي وصلت إلى المدينة في عهد الخليفة أبي بكر الصديق رضى الله عنه ، للمشاركة في فتوح الشام، بأن حمير سارت بكتائبها وأموالها وذراريها.
ففي الجانب الاستشاري يتبين ذلك عندما خرجت الجيوش إلى بلاد الشام لمواجهة الروم وقبل معركة اليرموك سنة 13 هـ شارك القادة الحميريون في عملية تخطيط المعركة قبل اللقاء والإعداد لها، ومنها أيضًا ما تذكره المصادر من مشاركة أهل حمير في تسوية أوضاع المغلوبين في بلاد الشام.
أما فيما يخص الجانب القيادي الذي اختص به قادة حمير في فتوح الشام، الذي يتمثل في ثقة قيادة الجند بإمرة أهل حمير، فنجد (ذا الكلاع الحميري يتولى قيادة كردوس حمير في ميمنة الجيش الإسلامي في اليرموك وهي تعد من أهم المعارك التي خاضها المسلمون في بلاد الشام لكونها قضت على معظم قوى الروم، وفتحت للمسلمين الطريق للتقدم إلى المناطق الأخرى. .. والأمر نفسه في أثناء فتح مدينة عزاز سنة 15هـ، فقد تولى (ذو الكلاع) قيادة حمير في فتح هذا المنطقة.
ومن المهام الذي اضطلع بها القادة: التحفيز وإلقاء المواعظ، وكان لها دور مهم في زيادة همم الجند على الجهاد، ورفع المعنويات لدى المقاتلين، وترغيبهم في تحقيق الانتصار على الأعداء، وهو ما قام به ذو الكلاع في معركة اليرموك قبل اللقاء بقوله..... يا أهل حمير أبواب الجنة فتحت، والحور العين قد زخرفت.... وقوله أيضًا :"[يا] فرسان حمير إياكم أن تتكلوا في قتالكم على السلاح ومنعته، ولكن اتكلوا في قتالكم على الله عز جل".
وما يؤكد اختصاص رجال حمير بالقيادة في فتوحات الشام قول الخليفة عثمان بن عفان رضى الله عنه عندما استقبل وفود اليمن المشاركة في الجهاد ومن ضمنها حمير وكان عددهم ثلاثمائة راكب بقوله : " مرحبا بأهل اليمن، أعلام في الدين قادة في المسلمين.... .
أما فيما يخص المواجهة العسكرية فقد كان لقبيلة حمير وجندها دور بارز وشجاع في كل مرحلة توكل إليهم المهام، فكانوا يقدمون على القيام بها وتنفيذها، فقد تميزوا بالشجاعة والإقدام، وهو الأمر الذي أدى إلى ثقة القيادة بهم والاعتماد عليهم في إدارة المعارك، ويتمثل ذلك في المبارزة التي كانت قبل وقعة اليرموك؛ إذ يذكر أن فارسا من حمير خرج قبل اللقاء في اليرموك ليأخذ بثأر ذي الكلاع الحميري الذي أصابه جرح من أحد فرسان الروم، فانتدب فارسا من فرسان حمير وعليه صبائغ اليمن من الأبراد والحبر كأنه جمرة نار، وحمل نحو العلج مصممًا وجال جولة عظيمة وطعنه في صدره فأرداه قتيلا، فحمل عليه كردوس من الروم، ليبعدوه عنه عندما هم بسلبه، فردهم الحميري صاغرين ثم سلبه وعاد إلى الأمير أبي عبيدة بن الجراح، فأعطاه إياه فدفع السلب إلى قومه، ورجع إلى القتال مبارزا ومقاتلاً. ومنها الوقفة القوية في وجه الهجمة الأولى للروم على ميمنة جيش المسلمين في معركة اليرموك (13هـ) والتي تصدى لها جند قبيلة حمير بالرغم من انكسار ميمنة الجيش الإسلامي في بداية الأمر، إلا أن حنكة الجيش ممثلة بقيادة خالد بن الوليد، وتماسك رجال حمير حال دون ذلك. والثانية وهي التي تعد من باب التوضيح في إبراز الدور الحميري في فتوحات الشام، وهي السرية التي قادها خالد بن الوليد في أثناء محاصرة مدينة دمشق سنة 14هـ، وكان معظمها من حمير، وكان المكان الذي اقتحموه منه أحصن مكان بدمشق، وأكثره ماء وأشده مدخلا، واستطاع فيها خالد ابن الوليد اقتحام مدينة دمشق. والأمر نفسه في حصار بيت المقدس سنة 16هـ بقيادة يزيد ابن أبي سفيان، فيذكر أن أول من برزوا للقتال حمير ورجال اليمن بعد أن نادوا بالنفير للهجوم.
وما يؤكد المشاركة الفاعلة لقبيلة حمير في فتوح الشام أيضًا، ما ذكره الواقدي بأن قتلى المسلمين في أثناء حصار مدينة حمص (41) سنة 14هـ مائتان وخمسة وثلاثون فارسا كلهم من قبيلة حمير وهمدان.
وفي إطار المواجهة أيضًا نتطرق لأهم الأسلحة التي كان يتقنها الحميريون واستعملوها في الفتوحات الإسلامية في بلاد الشام، تتمثل في الفراسة، وهي الأكثر اهتمامًا من الحميريين، فنجد المصادر تربط مشاركاتهم في بعض العمليات العسكرية بفرسان حمير منها السرية التي قادها خالد بن سعيد بن العاص في ثلاثمائة فارس من الحميريين. واستطاع أن يهزم جموع من الروم بالقرب من أجنادين، سنة 13هـ، وأن يحصلوا على كثير من الغنائم التي تعد الانتصارات الأولى في بلاد الشام، وكذلك مشاركة فرسان حمير في يوم حمص، وهذا تأكيد على الدور الذي أداه فرسان حمير في مواجهة العدو والقضاء عليه، أو في نوعية الحصار الذي كانوا يحكمونه على المدن حتى إعلان استسلامها.
أما النوع الثاني من السلاح الذي كان رجال حمير يتقنونه، وهو النبال التي كان لها دور كبير في تحقيق الانتصار، ويظهر دور نبالة اليمن ومن ضمنها قبيلة حمير في حصار بيت المقدس سنة 16هـ؛ إذ يذكر الواقدي؛ أنه عندما زحف المسلمون صوب بيت المقدس برزت النبالة من أهل اليمن ومن ضمنهم قبيلة حمير، فعندما كانوا يرمون بالنبل كان الروم يتهافتون من سورها كالغنم.
علاوة على بعض الأسلحة الأخرى التي كان يتقن استعمالها أهل حمير، وهي التي ذكرت في وصف قبيلة حمير في أثناء وصولها المدينة للمشاركة في الفتوح في عهد الخليفة أبي بكر الصديق رضى الله عنه وهم بالدروع الداودية، والبض العادية، والسيوف الهندية.
أما فيما يخص النتائج الخاصة بقبيلة حمير في مشاركتها بفتوح الشام، فنلتمس ذلك من الأشياء الذي أحدثوها من هذه المشاركة، وكذلك ملامسة الواقع الذي عاشوه آنذاك فنجعلها فيما يأتي:
استقرار الحميريين في المناطق التي فتحت، وأسسوا بذلك أسرًا وقبائل حميرية في الأمصار المفتوحة، نسبت إلى البطون التي ينتسبون إليها، والتي كان لها دور كبير في الأحداث التي تلت العصر الراشدي، إذ تذكر المصادر أن مشاركة قبيلة حمير في فتوح الشام في عهد الخليفة أبي بكر الصديق رضى الله عنه أدت إلى استقرارهم في مناطق عدة في الشام، ثم انتقلوا إلى معظم الأمصار الإسلامية مع تيار الفتوحات، إلى مصر، ثم توجهوا إلى بلاد المغرب، ثم إلى بلاد الأندلس، علاوة على التوسع في البنيان في المناطق التي استقروا فيها؛ فقد كان (ذو الكلاع ) يسكن حمص، وكان له بدمشق حوانيت.
مشاركة نساء حمير في فتوح الشام، لم يقتصر القتال على الرجال وإنما شاركت النساء في ذلك، لاسيما فيما ذكره ابن كثير من مشاركة نساء حمير في القتال بموقعة اليرموك.
اتخاذ قبيلة حمير شعارًا خاصًا بها في فتوح الشام يميزها عن غيرها من القبائل اليمنية الأخرى، نظرًا للدور الذي قامت به قبيلة حمير في فتوح الشام، والثقل العسكري الذي كانت تمثله في ذلك، اتخذت لها شعارًا خاصًا بها إذ يذكر الواقدي أن شعار حمير في معركة اليرموك كان الفتح.
بروز عدد من العلماء والمحدثين من قبيلة حمير، كان لهم دور كبير في نشر سنة الرسول الله صلى الله عليه وسلم، والدفاع عنها في الأمصار المفتوحة، علاوة على ذلك تعليم قراءة القرآن الكريم، ومنهم: العالم كعب بن ماتع الحميري، و شقي بن مانع الأصمحي، وله أحاديث كثيرة، وتوفي في خلافة هشام بن عبد الملك (105-125هـ)، وأبو الخير مرثد بن عبد الله اليزني، وكان ثقه له فضل وعبادة، توفى سنة 90هـ.
أصبح لقبيلة حمير في الشام منذ عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه ديوان خاص بالعطاء، إذ يذكر أن ديوان حمير كان على حدة، وكان يفرض لأمراء الجيوش والقرى في العطاء ما بين تسعة آلاف وثمانية آلاف وسبعة آلاف درهم، على قدر ما يصلحهم من الطعام وما يقومون به من الأمور.
وخلاصة القول؛
أنه كان لقبيلة حمير دور كبير في الفتوحات الإسلامية ولا سيما فتوح الشام، يتبين جليا في المشاركة الفاعلة، وتقديم الكتائب المتلاحقة لدعم الفتوحات الإسلامية، وكذلك دور ملوك حمير الذي كان يمثل سندًا قويًا في توجيه الكثير من المقاتلين دعمًا لحركة الجهاد، فقد كانوا قدوة لأتباعهم، فتنازلوا عن الكثير من الامتيازات التي كانوا يتمتعون بها في سبيل الدعوة الإسلامية ونصرة الإسلام، بل شاركوا مشاركة فعلية في فتوحات الشام وقدموا كثيرًا من البطولات في المعارك التي خاضها الفاتحون ضد الجيش البيزنطي، فكان لهم مشورات في التخطيط لإعداد المعارك، وكذلك في القيادة، وكيفية التعامل مع المغلوبين من أهل الشام، فكان ذلك يمثل أهمية كبيرة لقبيلة حمير وقيادتها لدى القيادة الإسلامية، في المدينة وبلاد الشام.
كان إيمان قبيلة حمير وملوكها بالدعوة الإسلامية وإعلان ولائهم للدولة الإسلامية من أهم الأسباب والدوافع الذي جعلتهم يقدمون على المشاركة الفاعلة والحقيقية في الفتوح، وكانت كغيرها من القبائل اليمنية، لها دورها المتميز، فقد امتازت بسرعة تلبية دعوة المشاركة الفاعلة بالرجال والعتاد، وكذلك الدور العسكري الذي بدأ يتضح بالعمليات التي شاركوا فيها وقادوها في بلاد الشام، وكذلك الإفرازات التي ظهرت في تلك المشاركة؛ لذلك وصلنا إلى عدد من النتائج في هذا البحث، يمكن أن نلخصها فيما يأتي:
اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم بقبيلة حمير وملوكها تبين ذلك من الأحاديث التي قالها فيها، والتنبؤ بدورها في الفتوحات الإسلامية.
إسلام قبيلة حمير وملوكها طواعية، عن طريق الرسائل، يؤكد أنهم على دراية بهذا الدين. ولديهم الرغبة في اعتناقه.
سرعة المشاركة في الفتوحات الإسلامية، والخروج بالعدة والعتاد، أثبت أن مشاركة قبيلة حمير تهدف إلى نصرة الإسلام وإعلاء كلمة الدين.
أثبتت الأحداث والوقائع التي عاصرها الفاتحون في بلاد الشام، أن دور قبيلة حمير كان عسكريا بامتياز، سواء كان من حيث القيادة، أم الشورى في التخطيط، أم المواجهة.
أدت مشاركة حمير في فتوح الشام، إلى استقرارهم في الأمصار المفتوحة، والتوسع في البنيان، وظهور المحدثين الذين تبنوا الدفاع عن دين الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم
منقول بتصرف https://aden.center/articles/2598